فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {فلله الحمد} إلى آخر السورة. تحميد لله تعالى وتحقيق لألوهيته. وفي ذلك كسر لأمر الأصنام والأنصاب.
وقراءة الناس: {ربِّ} بالخفض في الثلاثة على الصفة. وقرأ ابن محيصن: بالرفع فيها على معنى هو رب.
و: {الكبرياء} بناء مبالغة. وفي الحديث: «يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني منهما شيئًا قصمته». اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي ظهر لهم جزاء سيئات ما عملوا.
{وَحَاقَ بِهِم} أي نزل بهم وأحاط.
{مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} من عذاب الله.
قوله تعالى: {وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} أي نترككم في النار كما تركتم لقاء يومكم هذا؛ أي تركتم العمل له.
{وَمَأْوَاكُمُ النار} أي مسكنكم ومستقرّكم.
{وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من ينصركم.
قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيات الله} يعني القرآن.
{هُزُوًا} لعبًا.
{وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} أي خدعتكم بأباطيلها وزخارفها؛ فظننتم أن ليس ثَمّ غيرها. وأن لا بعث.
{فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أي من النار.
{ولاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} يسترضون.
وقد تقدّم.
وقرأ حمزة والكسائي {فَالْيَوْمَ لاَ يَخْرُجُونَ} بفتح الياء وضم الراء؛ لقوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود} [السجدة: 0 2] الباقون بضم الياء وفتح الراء؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} [المؤمنون: 107].
ونحوه قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوت وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين}.
قرأ مجاهد وحُميد وابن مُحَيْصِن {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ اْلأَرْضِ رَبُّ الْعَالَمِينَ} بالرفع فيها كلها على معنى هو رب.
{ولهُ الكبرياء} أي العظمة والجلال والبقاء والسلطان والقدرة والكمال.
{فِي السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} والله أعلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَبَدَا لَهُمْ} أي ظهرَ لَهُم حينئذٍ {سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} على ما هيَ عليهِ من الصُّورةِ المُنكرةِ الهائلةِ وعاينوا وخامةَ عاقبتِها أوجزاءَها فإنَّ جزاءَ السيئةِ سيئةٌ {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من الجزاءِ والعقابِ.
{وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} نترككُم في العذابِ تركَ المنسيِّ {كَمَا نَسِيتُمْ} في الدُّنيا {لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} أيْ كَما تركتُم عِدتَهُ ولم تُبالُوا بهِ. وإضافةُ اللقاءِ إلى اليومِ إضافةُ المصدرِ إلى ظرفِه.
{وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} أي مَا لأَحدٍ منكُم نَاصِرٌ وَاحِدٌ يخلصكُم منَها {ذلكم} العذابُ {بِأَنَّكُمُ} بسببِ أنَّكْم {اتخذتم ءايات الله هُزُوًا} مَهْزوءًا بَها ولم ترفعوا لها رأسًا {وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} فحسبتُم أنْ لا حياةَ سواهَا {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أيْ من النَّارِ. وقرئ {يَخرجُون} من الخُروجِ. والالتفاتُ إلى الغَيبةِ للإيذانِ بإسقاطِهم عن رُتبةِ الخطابِ استهانةً أوبنقلِهم من مقامِ الخطابِ إلى غيابةِ النارِ {ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ} أي يُطلبُ منهم أنْ يُعتبوا ربَّهم أيْ يُرضُوه لفواتِ أوانِه.
{فَلِلَّهِ الحمد} خاصَّة {رَبّ السموات وَرَبّ الأرض رَبّ العالمين} فلا يستحقُ الحمد أحدٌ سواهُ. وتكريرُ الربِّ للتأكيدِ والإيذانِ بأنَّ ربوبيتَهُ تعالى لكُلَ منَها بطريقِ الأصالةِ. وقرئ برفعِ الثلاثةِ على المدحِ بإضمارِ هو {ولهُ الكبرياء في السموات والأرض} لظهورِ آثارِها وأحكامِها فيهما. وإظهارُهما في موقعِ الإضمارِ لتفخيمِ شأنِ الكبرياءِ {وَهو العزيز} الذي لا يُغلبُ {الحكيم} في كلِّ ما قضَى وقدَّر فاحَمدوه وكبروه وأطيعُوه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَبَدَا لَهُمْ} أي ظهر لهم حينئذٍ {ووجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} أي قبائح أعمالهم أي عقوباتها فإن العقوبة تسوء صاحبها وتقبح عنده أوسيات أعمالهم أي أعمالهم السيات على أن تكون الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف والكلام على تقدير مضاف أي ظهر لهم جزاء ذلك أوأن يراد بالسيات جزاؤها من باب إطلاق السبب على المسبب. وقيل: المراد ظهر لهم الجهات السيئة الغير الحسنة عقلًا لأعمالهم أي جهات قبحها العقلي التي خفيت عليهم في الدنيا بتزيين الشيطان؛ وهو قول بالحسن والقبح العقليين في الأفعال. و{مَا} موصولة. وجوز أن تكون مصدرية فلا تغفل {وَحَاقَ} أي حل {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من الجزاء والعقاب.
{وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} نترككم في العذاب من باب إطلاق السبب على المسبب لأن من نسي شيئًا تركه أونجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالي به على أن ثم استعارة تمثيلية. وجوز أن يكون استعارة مكنية في ضمير الخطاب.
{كَمَا نَسِيتُمْ} في الدنيا {لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} أي كما تركتم عدته وهي التقوى والإيمان به أوكما لم تبالوا أنتم بلقائه ولم تخطروه ببال كالشيء الذي يطرح نسيًا منسيًا. وجوز أن يكون التعبير بنسيانه لأن علمه مركوز في فطرتهم أولتمكنهم منه بظهور دلائله ففي النسيان الأول مشاكلة. وإضافة {لِقَاء} إلى يوم من إضافة المصدر إلى ظرفه فهي على معنى في والمفعول مقدر أي لقاءكم الله تعالى وجزاءه سبحانه في يومكم هذا. وقال العلامة التفتازاني {لِقَاء يَوْمِكُمْ} كـ {مَكْرُ الليل} [سبأ: 33] من باب المجاز الحكمي فلذا أجرى المضاف إليه مجرى المفعول به. وإنما لم يجعل من إضافة المصدر إلى المفعول به حقيقة لأن التوبيخ ليس على نسيان لقاء اليوم نفسه بل نسيان ما فيه من الجزاء.
وقال بعض الأجلة: لا يخفى أن لقاء اليوم يجوز أن يكون كناية عن لقاء جميع ما فيه وهو أنسب بالمقام لأن السياق لأنكار البعث {وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} ما لأحد منكم ناصر واحد يخلصكم منها.
{ذلكم} العذاب {بِأَنَّكُمُ} بسبب أنكم {اتخذتم ءايات الله هُزُوًا} أي مهزوءًا بها ولم ترفعوا لها رأسًا {وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} فحسبتم أن لا حياة سواها {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أي النار.
وقرأ الحسن. وابن وثاب. وحمزة. والكسائي {لاَ يَخْرُجُونَ} مبنيًا للفاعل. والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم أوبنقلهم من مقام الخطابة إلى غيابة النار. وجوز أن يكون هذا ابتداء كلام فلا التفات.
{ولاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي يطلب منهم أن يعتبوا ربهم سبحانه أي يزيلوا عتبه جل وعلا. وهو كناية عن إرضائه تعالى أي لا يطلب منهم إرضاؤه عز وجل لفوات أوانه. وقد تقدم في الروم. والسجدة أوجه أخر في ذلك فتذكر.
{فَلِلَّهِ الحمد رَبّ السموات وَرَبّ الأرض رَبّ العالمين} تفريع على ما احتوت عليه السورة الكريمة. وقد احتوت على الاء الله تعالى وأفضاله عز وجل واشتملت على الدلائل الافاقية والأنفسية وانطوت على البراهين الساطعة والنصوص اللامعة في المبدأ والمعاد. واللام للاختصاص. وتقديم الخبر لتأكيده. وتعريف الحمد للاستغراق أو الجنس. والجملة إخبار عن الاستحقاقه تعالى لما تدل عليه. وجوز أن يراد الأنشاء. وتمام الكلام قد تقدم في الفاتحة. وفي التفريع المذكور على ما قاله بعض الأجلة إشارة إلى أن كفرهم لا يؤثر شيئًا في ربوبيته تعالى ولا يسد طريق إحسانه ورحمته عز وجل:
ومن يسد طريق العارض الهطل

وإنما هم ظلموا أنفسهم. وإجراء ما أجرى من الصفات الدالة على إنعامه تعالى عليه عز وجل كالدليل على استحقاقه تعالى الحمد واختصاصه به جل وعلا؛ وقوله تعالى: {رَبّ العالمين} بدل مما قبل؛ وفي تكرير لفظ الرب تأكيد وإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل بطريق الأصالة.
وقرأ ابن محيصن برفعه على المدح بإضمار هو.
{ولهُ الكبرياء} فيه من الاختصاص ما في {لِلَّهِ الحمد} [الجاثية: 36] والكبرياء قال ابن الأثير: العظمة والملك. وقال الراغب: الترفع عن الأنقياد. وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود. وقوله تعالى: {فِي السماوات والأرض} في موضع الحال أو متعلق بالكبرياء والتقييد بذلك لظهور اثار الكبرياء وأحكامها فيه. والإظهار في مقام الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء. وفي الحديث القدسي «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار» أخرجه الإمام أحمد. ومسلم. وأبوداود. وابن ماحه. وابن أبي شيبة. والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة. وهو ظاهر في عدم اتحاد الكبرياء والعظمة فلا تغفل {وَهوالعزيز} الذي لا يغلب {الحكيم} في كل ما قضى وقدر. وفي هذه الجمل إرشاد على ما قيل إلى أوامر جليلة كأنه قيل: له الحمد فاحمدوه تعالى وله الكبرياء فكبروه سبحانه وهو العزيز الحكيم فأطيعوه عز وجل. وجعلها بعضهم مجازًا أوكناية عن الأوامر المذكورة والله تعالى أعلم. هذا ولم أظفر من باب الإشارة بما يتعلق بشيء من آيات هذه السورة الكريمة يفي بمؤنة نقله غير ما يتعلق بقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السموات وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مّنْهُ} [الجاثية: 13] من جعله إشارة إلى وحدة الوجود. وقد مر ما يغني عن نقله. والله عز وجل ولي التوفيق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا}.
عطف على جملة {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} [الجاثية: 31] باعتبار تقدير: فيقال لهم. أي فيقال لهم ذلك {وبدا لهم سيئات ما عملوا}. أي جُمع لهم بين التوبيخ والإزعاج فوبخوا بقوله: {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} إلى آخِره. وأُزعجوا بظهور سيئات أعمالهم. أي ظهور جزاء سيئاتهم حين رأوا دار العذاب والاته رؤيةَ من يوقن بأنها مُعَدة له وذلك بعِلم يحصل لهم عند رؤية الأهوال.
وعبر بالسيئات عن جزائها إشارة إلى تمام المعادلة بين العمل وجزائه حتى جعل الجزاء نفسَ العمل على حد قوله: {فذُوقوا ما كنتم تكنزونَ} [التوبة: 35].
ومعنى {حاق} أحاط.
و{ما كانوا به يستهزئون} يعُم كلّ ما كان طريق استهزاء بالإسلام من أقوالهم الصادرة عن استهزاء مثل قولهم: {إن نظن إلا ظنًا وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32].
وقول العاصِي بن وائل لخباب بن الأرتّ: لأوتين مالًا وو لدا في الآخرة فأقضي منه دينَك.
ومن الأشيئاء التي جعلوها هُزؤًا مثل عذاب جهنم وشجرة الزقوم وهو ما عبر عنه آنفًا بـ {سيئات ما عملوا}.
وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصولية لأن في الصلة تغليطًا لهم وتنديمًا على ما فرطوا من أخذ العدة ليوم الجزاء على طريقة قول عبدة بن الطيب:
إن الذين تُرونَهم إخوانَكم ** يشفي غليلَ صدورهم أن تُصرعوا

والمعنى: أنهم قد أودعوا جهنم فأحاط بهم سرداقها.
والباء في {به يستهزئون} يجوز حملها على السببية وعلى تعدية فعل {يستهزئون} إلى ما لا يتعدى إليه أي العذاب.
{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)}.
لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا {اليوم ننساكم} إلى آخِره تأييسًا لهم من العفوعنهم.
وبُني فعل {قيل} للنائب حطًّا لهم عن رتبة أن يصرح باسم الله في حكاية الكلام الذي واجههم به كما أشرنا إليه عند قوله آنفًا {وإذا قيل إن وعد الله حقٌ} [الجاثية: 32] بناء على أن ضمير {ننساكم} ضمير الجلالة وليس من قول الملائكة. فإن كان من قول خزنة جهنم ببناءِ فِعل {وقيل} للنائب للعلم بالفاعل.
وأطلق النسيان على الترك المؤبد على سبيل المجاز المرسل لأن النسيان يستلزم ترك الشيء المنسي في محله أوتركه على حالته. ويجوز أن يكون النسيان مستعارًا للإهمال وعدم المبالاة. أي فلا تتعلق الإرادة بالتخفيف عنهم وعلى هذين الاعتبارين يفسر معنى النسيان الثاني.
والكاف في {كما نسيتم لقاء يومكم} للتعليل كما في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198]. أي جزاء نسيانكم هذا اليوم. أي إعراضكم عن الإيمان به.
واللقاء: وجدان شيء شيئًا في مكان. وهو المصادفة يُقال: لقي زيد عمرًا. ولقي العصفور حبة.
ولقاء اليوم. أطلق اليومُ على ما فيه من الأحداث على سبيل المجاز المرسل لأنه أوجزُ من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال.
وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين في {يومكم} باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة. ألا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى: {وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز تكميلًا لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر.
وعطف {ومأواكم النار} على {اليوم ننساكم} ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد فإن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله. فالمعنى أنكم قد أو يتم إلى النار فأنتم باقون فيها. وتقدم نظير قوله: {وما لكم من ناصرين} قريبًا. والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد.
و{ذلكم} إشارة إلى {مأواكم} والباء للسببية. أي ذلكم المأوى بسبب اتخاذكم آيات الله. وهي آيات القرآن هزؤًا. أي مستهزأ بها. {هزؤًا} مصدر مراد به اسم المفعول مثل خلق.
وتغرير الحياة الدنيا إياهم سبب أيضا لجعل النار مأواهم.
والتغرير: الإطماع الباطل.
ومعنى تغرير الحياة الدنيا إياهم: أنهم قاسوا أحوال الآخرة على أحوال الدنيا فظنوا أن الله لا يحيي الموتى وتطرقوا من ذلك إلى إنكار الجزاء في الآخرة على ما يعمل في الدنيا وغرّهم أيضًا ما كانوا عليه من العزة والمنعة فخالوه منتهى الكمال فلم يصيخوا إلى داعي الرشد وعظة النصح وأعرضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن القرآن المرشد ولولا ذلك لأقبلوا على التأمل فيما دعوا إليه فاهتدوا فسلموا من عواقب الكفر ولكون هذه المغررات حاصلة في الحياة الدنيا أسند التغرير إلى الحياة على سبيل المجاز العقلي لأن ذلك أجمع لأسباب الغرور.
وفرع على ذلك {فاليوم لا يخرجون منها} بالفاء وهذا من تمام الكلام الذي قيل لهم لأن وقوع كلمة (اليوم) في أثنائه يعين أنه من القيل الذي يقال لهم يومئذٍ.
واتفق القراء على قراءة {لا يخرجون} بياء الغيبة.
وكان مقتضى الظاهر أن يقال: لا تُخرجون. بأسلوب الخطاب مثل سابقه ولكن عدل عن طريقة الخطاب إلى الغيبة على وجه الالتفات.